الجنس عند الكرد:
لا يمكن التعرض للجنس عند الكرد، بالسهولة المتصورة، وفي ميادين مختلفة، فما أثرته في كتبي السالفة الذكر، كان للكرد حضور فيها، إن كان عبر المشاركة بالدين، أو بالإشارة اللماحة أو الواضحة في نقاط متنوعة. ما يهمني هنا، هو كيفية التطهر من عقدة : الجنس كمفهوم، وكأن الجنس لفظاً يعني التعامل مع ما هو مبتذل، إن هذا جانب من جوانب التفكير القيمي والاجتماعي والثقافي المبتذل المعمول به كردياً، كما هو في المنحى التحزبي تماماً.
يكفي المرء أن يتوقف لبعض الوقت عند المأثور في أغانينا الكردية : القديمة منها والحديثة، حيث منطقة الصدر والنحر، ومن ثم منطقة النهدين ومن ثم منطقة الصرة وما دون ، تشكل ثالوثاُ من الكلمات المتداخلة الثرة، وهي تصف ما هو محرّك للخيال الإيروسي، أو الشبقي لكل من الأنثى والذكر، وخصوصاً في الأعراس ( أعراسنا الكردية)، كما لو أن الكرد لا يمكنهم أن يستشعروا غبطة ورواءً دونها.
هذا لم يأت عفو الخاطر، إنما تقودنا الكلمات هذه، إلى المحرك العميق للميال المجتمعي الكردي عند كل من المرأة والرجل، والمهاد اللاشعوري لذلك.
إن تعرض أي كان للقتل: قتله أو حين يقتل هو سواه، بدواعي الشرف، ليس لأن الجنس محظور دخول عالمه إلا بحسبان مرسوم، وإنما لأن ثمة تشديداً على خاصية الملكية في طابعها الذكوري، سواء من خلال ما هو مرئي في المجتمع، أو من خلال الحراك الثقافي ضمناً وسواه.
يوسع الرجل مثلاً، وكذكر أن يستأثر بأي كلمة لها صلة بجسد المرأة، في المناطق المرسومة والمرصودة، وما يرادفها، أو يستمتع أي استمتاع بها، وغالباً يكون هو واضع الكلمات ومصنفها، ومرددها ومروجها ولكن نادراً ما تجد المرأة كلمات تعني المرأة وهي تتغزل بجسد الرجل: بصدره ونحره ومادون صرته، وهذا يشير إلى المحظور والمهدور في الجانب الثقافي، بالنسبة لكل جنس أو نوع، رغم أن الأمثال الكردية والأقوال الكردية المأثورة لم تأل جهداً في إبراز الكثير مما يخص النوعين، من جهة استخدام عضوي كل من الأنثى والذكروخلافهما، كما ذكرت ذلك، في كتابي ( الشبق المحرم، ط1، 2002، ص 392-395).
ليس البحث فيما هو جنسي هو المعيب( وللكلمة هذه تاريخ طويل ومقلق بدورها)، إنما فيما يجعل الجنس مادة رخيصة لمتعة رخيصة، لكائن أنسي- إنسي مسترخص كينونته، كما في تلفيق أو تركيب نكات وما يسمى بطرائف لها علاقة بالجنس، وما يخص مجالس الذين يتلمسون في التعليقات ذات الغمز واللمز الجنسيين.
إن سماع أغانينا الكردية والتي تواجه كل من يدعي العفة الممثَّلة أو الطهرانية، بحقيقتها التاريخية التليدة والأصيلة بأكثر من معنى غير مأخوذ به في متنها، لهو ضرب من ضروب التاريخ الحي، ذاك الذي يتطلب المزيد من الجدية لتناول الجانب هذا بعمق.